فصل: إشارة المحتضر إلى الجاني عليه

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


إسكارٌ

التعريف

1 - الإسكار لغةً‏:‏ مصدر أسكره الشّراب‏.‏ وسكر سكراً، من باب تعب، والسّكر اسمٌ منه، أي أزال عقله‏.‏ والإسكار في اصطلاح الفقهاء‏:‏ تغطية العقل بما فيه شدّةٌ مطربةٌ كالخمر‏.‏ ويرى جمهور الفقهاء أنّ ضابط الإسكار هو أن يختلط كلامه، فيصير غالب كلامه الهذيان، حتّى لا يميّز بين ثوبه وثوب غيره عند اختلاطهما، ولا بين نعله ونعل غيره، وذلك بالنّظر لغالب النّاس‏.‏ وقال أبو حنيفة‏:‏ السّكران الّذي لا يعرف السّماء من الأرض، ولا الرّجل من المرأة‏.‏ ر‏:‏ ‏(‏أشربةٌ‏)‏‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الإغماء‏:‏

2 - الإغماء آفةٌ تعطّل القوى المدركة عن أفعالها مع بقاء العقل مغلوباً‏.‏

ب - التّخدير‏:‏

3 - التّخدير تغشية العقل من غير شدّةٍ مطربةٍ‏.‏

ج- التّفتير‏:‏

4 - المفتّر ما من شأنه أن يضعف الأعضاء ويليّن الجسم بشدّةٍ ويسكّن حدّته‏.‏

الحكم الإجمالي

5 - تعاطي ما يحدث الإسكار محرّمٌ موجبٌ للحدّ، حيث لا توجد شبهةٌ مسقطةٌ له‏.‏ أمّا عند أبي حنيفة فالخمر محرّمةٌ بالنّصّ، ويحدّ شارب القليل والكثير منها‏.‏ وأمّا غير الخمر فلا يحرم، ولا يحدّ شاربه إلاّ بالقدر الّذي أسكر فعلاً‏.‏ وتفصيل ذلك في ‏(‏أشربةٌ‏)‏‏.‏

كما أنّ للسّكر أثراً في التّصرّفات القوليّة الفعليّة، كالطّلاق والبيوع والرّدّة والخطابات وغيرهما‏.‏ وينظر في الملحق الأصوليّ، باعتباره من عوارض الأهليّة، وفي الحدود‏.‏

مواطن البحث

6 - يبحث موضوع الإسكار في حدّ الشّرب، عند الكلام عن ضابط الإسكار، وفي أوصاف الخمريّة، وفي علّة حدّ شارب الخمر، وفي السّرقة عند أثر الإسكار في الإحراز‏.‏

إسكانٌ

انظر‏:‏ سكنى‏.‏

إسلامٌ

التعريف

1 - من معاني الإسلام في اللّغة‏:‏ الإذعان والانقياد، والدّخول في السّلم، أو في دين الإسلام‏.‏ والإسلام يكون أيضاً بمعنى‏:‏ الإسلاف، أي عقد السّلم، يقال‏:‏ أسلمت إلى فلانٍ في عشرين صاعاً مثلاً، أي اشتريتها منه مؤجّلةً بثمنٍ حالٍّ‏.‏

أمّا في الشّرع فيختلف معناه تبعاً لوروده منفرداً، أو مقترناً بالإيمان‏.‏

فمعناه منفرداً‏:‏ الدّخول في دين الإسلام، أو دين الإسلام نفسه‏.‏ والدّخول في الدّين هو استسلام العبد للّه عزّ وجلّ باتّباع ما جاء به الرّسول صلى الله عليه وسلم من الشّهادة باللّسان، والتّصديق بالقلب، والعمل بالجوارح‏.‏

ومعناه إذا ورد مقترناً بالإيمان هو‏:‏ أعمال الجوارح الظّاهرة، من القول والعمل كالشّهادتين والصّلاة وسائر أركان الإسلام‏.‏ وإذا انفرد الإيمان يكون حينئذٍ بمعنى‏:‏ الاعتقاد بالقلب والتّصديق باللّه تعالى وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشرّه مع الانقياد‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الإيمان‏:‏

2 - سبق تعريف الإسلام منفرداً ومقترناً بالإيمان‏.‏ وهذا يتأتّى في تعريف الإيمان أيضاً‏.‏ فالإيمان منفرداً‏:‏ هو تصديق القلب بما جاء به الرّسول صلى الله عليه وسلم والإقرار باللّسان والعمل به‏.‏ أمّا إذا اقترن بالإسلام فإنّ معناه يقتصر على تصديق القلب، كما جاء في حديث سؤال جبريل ونصّه‏:‏ عن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه قال‏:‏ «بينما نحن جلوسٌ عند رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ذات يومٍ، إذ طلع علينا رجلٌ شديد بياض الثّياب، شديد سواد الشّعر، لا يرى عليه أثر السّفر، ولا يعرفه منّا أحدٌ، حتّى جلس إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفّيه على فخذيه، وقال‏:‏ يا محمّد أخبرني عن الإسلام، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ الإسلام‏:‏ أن تشهد أن لا إله إلاّ اللّه، وأنّ محمّداً رسول اللّه، وتقيم الصّلاة، وتؤتي الزّكاة، وتصوم رمضان، وتحجّ البيت إن استطعت إليه سبيلاً‏.‏ قال‏:‏ صدقت‏.‏ قال‏:‏ فعجبنا له يسأله ويصدّقه، قال‏:‏ فأخبرني عن الإيمان، قال‏:‏ أن تؤمن باللّه، وملائكته وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشرّه، قال‏:‏ صدقت»‏.‏ الحديث‏.‏

إطلاق الإسلام على ملل الأنبياء السّابقين وأتباعهم

3 - اختلف علماء الإسلام في ذلك، فبعضهم يرى أنّ الإسلام يطلق على الملل السّابقة‏.‏ واحتجّ بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏شرع لكم من الدّين ما وصّى به نوحاً والّذي أوحينا إليك وما وصّينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدّين ولا تتفرّقوا فيه‏}‏ الآية، وآياتٍ أخرى‏.‏

ويرى آخرون‏:‏ أنّه لم توصف به الأمم السّابقة، وإنّما وصف به الأنبياء فقط، وشرّفت هذه الأمّة بأن وصفت بما وصف به الأنبياء، تشريفاً لها وتكريماً‏.‏

ووجه اختصاص الأمّة المحمّديّة بهذا الاسم ‏"‏ الإسلام ‏"‏ هو‏:‏ أنّ الإسلام اسمٌ للشّريعة المشتملة على العبادات المختصّة بهذه الأمّة، من الصّلوات الخمس، وصوم رمضان، والغسل من الجنابة، والجهاد، ونحوها‏.‏ وذلك كلّه مع كثيرٍ غيره خاصٍّ بهذه الأمّة، ولم يكتب على غيرها من الأمم، وإنّما كتب على الأنبياء فقط‏.‏ ويؤكّد هذا المعنى - وهو اختصاص الأمّة المحمّديّة باسم الإسلام - قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ملّة أبيكم إبراهيم هو سمّاكم المسلمين‏}‏‏.‏ فالضّمير ‏(‏هو‏)‏ يرجع لإبراهيم عليه السلام، كما يراه علماء السّلف لسابقيّة قوله في الآية الأخرى‏:‏ ‏{‏ربّنا واجعلنا مسلمين لك، ومن ذرّيّتنا أمّةً مسلمةً لك‏}‏‏.‏ فدعا بذلك لنفسه ولولده، ثمّ دعا لأمّةٍ من ذرّيّته، وهي هذه الأمّة فقال‏:‏ ‏{‏ربّنا وابعث فيهم رسولاً منهم‏}‏ الآية، وهو سيّدنا محمّدٌ صلى الله عليه وسلم فاستجاب اللّه دعاءه، فبعث محمّداً إليهم، وسمّاهم مسلمين‏.‏ فاتّفق أئمّة السّلف على أنّ اللّه تعالى لم يذكر أمّةً بالإسلام غير هذه الأمّة، ولم يسمع بأمّةٍ ذكرت به غيرها‏.‏

4 - وقال الإمام ابن تيميّة‏:‏ وقد تنازع النّاس فيمن تقدّم من أمّة موسى وعيسى هل هم مسلمون أم لا‏؟‏ فالإسلام الحاضر الّذي بعث اللّه به محمّداً صلى الله عليه وسلم المتضمّن لشريعة القرآن، ليس عليه إلاّ أمّة محمّدٍ صلى الله عليه وسلم والإسلام اليوم عند الإطلاق يتناول هذا‏.‏

وأمّا الإسلام العامّ المتناول لكلّ شريعةٍ بعث اللّه بها نبيّاً، فإنّه إسلام كلّ أمّةٍ متّبعةٍ لنبيٍّ من الأنبياء‏.‏ وعلى هذا الأساس يمكن أن تفهم كلّ الآيات الكريمة الّتي تعرّض فيها القرآن الكريم لهذه الكلمة مستعملةً بالنّسبة للأمم الأخرى، إمّا على أنّها تشير إلى المعنى اللّغويّ لمادّة أسلم، أو أنّها تشير إلى المعنى المشترك بين الشّرائع السّماويّة كلّها الّذي بعث اللّه به جميع الرّسل، وإليه الإشارة في كثيرٍ من الآيات، ومنها قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولقد بعثنا في كلّ أمّةٍ رسولاً أن اعبدوا اللّه واجتنبوا الطّاغوت‏}‏‏.‏

أثر الدّخول في الإسلام في التّصرّفات السّابقة

5 - الأصل أنّ تصرّفات غير المسلمين مع المسلمين وغيرهم صحيحةٌ إلاّ ما جاء الإسلام بإبطاله، كما يعلم في أبواب الفقه المختلفة‏.‏

وإذا كان من دخل في الإسلام متزوّجاً بأكثر من أربعٍ، أو بمن يحرم الجمع بينهنّ، كأختين، فإنّه يجب عليه أن يفارق ما زاد على أربعٍ، أو إحدى الأختين‏.‏ واستدلّ له القرافيّ «بقول النّبيّ عليه الصلاة والسلام لغيلان لمّا أسلم على عشر نسوةٍ‏:‏ أمسك أربعاً وفارق سائرهنّ»‏.‏ وهل يلزمه فراق من عدا الأربع الّتي تزوّجهنّ أوّلاً، أو من شاء‏؟‏ في ذلك خلافٌ يرجع إليه في بابه‏.‏ وكذلك في مسألة فراق أيّ الأختين شاء‏.‏

وإذا أسلم الزّوجان الكافران معاً، قبل الدّخول أو بعده، فهما على نكاحهما، ولا خلاف في ذلك بين أهل العلم‏.‏ إذا أسلم زوج الكتابيّة قبل الدّخول أو بعده، أو أسلما معاً، فالنّكاح باقٍ بحاله، سواءٌ أكان زوجها كتابيّاً أو غير كتابيٍّ، لأنّ للمسلم أن يبتدئ نكاح كتابيّةٍ، فاستدامته أولى، ولا خلاف في هذا بين القائلين بإجازة نكاح الكتابيّة‏.‏

وأمّا إن أسلمت الكتابيّة قبله وقبل الدّخول، تعجّلت الفرقة، سواءٌ أكان زوجها كتابيّاً أو غير كتابيٍّ، إذ لا يجوز لكافرٍ نكاح مسلمةٍ‏.‏ قال ابن المنذر‏:‏ أجمع على هذا كلّ من نحفظ عنه من أهل العلم، والصّحيح أنّ في المسألة خلاف أبي حنيفة، إذا كان في دار الإسلام، فإنّه لا فرقة إلاّ بعد أن يعرض عليه الإسلام فيأبى‏.‏ وإن كان إسلامهما بعد الدّخول فالحكم فيه كالحكم فيما لو أسلم أحد الزّوجين الوثنيّين على ما يأتي‏:‏

6 - وإذا أسلم أحد الزّوجين الوثنيّين، أو المجوسيّين، أو كتابيٌّ متزوّجٌ بوثنيّةٍ، أو مجوسيّةٌ قبل الدّخول، تعجّلت الفرقة بينهما من حين إسلامه، ويكون ذلك فسخاً لا طلاقاً‏.‏ وهذا مذهب أحمد والشّافعيّ‏.‏ وقال الحنفيّة‏:‏ لا تتعجّل الفرقة، بل إن كانا في دار الإسلام عرض الإسلام على الآخر، فإن أبى وقعت الفرقة حينئذٍ، وإن أسلم استمرّت الزّوجيّة، وإن كانا في دار الحرب وقف ذلك على انقضاء ثلاث حيضٍ، أو مضيّ ثلاثة أشهرٍ، وليست عدّةً، فإن لم يسلم الآخر وقعت الفرقة‏.‏ وقال مالكٌ‏:‏ إن كانت هي المسلمة عرض عليه الإسلام، أسلم وإلاّ وقعت الفرقة، وإن كان هو المسلم تعجّلت الفرقة‏.‏

أمّا إن كان إسلام أحد الزّوجين الوثنيّين أو المجوسيّين أو زوجة الكتابيّ، بعد الدّخول، ففي المسألة ثلاثة اتّجاهاتٍ‏:‏

الأوّل‏:‏ يقف الأمر على انقضاء العدّة، فإن أسلم الآخر قبل انقضائها فهما على النّكاح، وإن أسلم حتّى انقضت العدّة وقعت الفرقة منذ اختلف الدّينان، فلا يحتاج إلى استئناف العدّة‏.‏ وهذا قول الشّافعيّ، وروايةٌ عن أحمد‏.‏

الثّاني‏.‏ تتعجّل الفرقة‏.‏ وهذا روايةٌ عن أحمد وقول الحسن وطاووسٍ‏.‏

الثّالث‏:‏ يعرض الإسلام على الآخر إن كان في دار الإسلام، وهو قول أبي حنيفة، كقوله في إسلام أحدهما قبل الدّخول، إلاّ أنّ المرأة إذا كانت في دار الحرب، فانقضت مدّة التّربّص، وهي ثلاثة أشهرٍ أو ثلاثة حيضٍ، وقعت الفرقة، ولا عدّة عليها بعد ذلك، لأنّه لا عدّة على الحربيّة‏.‏ وإن كانت هي المسلمة، فخرجت إلينا مهاجرةً، فتمّت الحيض هنا، فكذلك عند أبي حنيفة‏.‏ وقال الصّاحبان‏:‏ عليها العدّة‏.‏

ما يلزم الكافر إذا أسلم من التّكاليف السّابقة على الإسلام

7 - قال القرافيّ‏:‏ إنّ أحوال الكافر مختلفةٌ إذا أسلم، فيلزمه ثمن البياعات، وأجر الإجارات، ودفع الدّيون الّتي اقترضها ونحو ذلك، ولا يلزمه من حقوق الآدميّين القصاص، ولا الغصب والنّهب إن كان حربيّاً‏.‏ وأمّا الذّمّيّ فيلزمه جميع المظالم وردّها، لأنّه عقد الذّمّة وهو راضٍ بمقتضى عقد الذّمّة‏.‏ وأمّا الحربيّ فلم يرض بشيءٍ، فلذلك أسقطنا عنه الغصوب والنّهوب والغارات ونحوها‏.‏

وأمّا حقوق اللّه تعالى ممّا تقدّم في كفره، فلا تلزمه وإن كان ذمّيّاً لا ظهارٌ ولا نذرٌ ولا يمينٌ من الأيمان، ولا قضاء الصّلوات، ولا الزّكوات، ولا شيءٍ فرّط فيه من حقوق اللّه تعالى، لقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «الإسلام يجبّ ما كان قبله» وضابط الفرق‏:‏ أنّ حقوق العباد قسمان‏:‏ منها ما رضي به حالة كفره، واطمأنّت نفسه بدفعه لمستحقّه، هذا لا يسقط بالإسلام، لأنّ إلزامه إيّاه ليس منفّراً له عن الإسلام لرضاه‏.‏ وما لم يرض بدفعه لمستحقّه، كالقتل والغصب ونحو، فإنّ هذه الأمور إنّما دخل عليها معتمداً على أنّه لا يوفّيها أهلها، فهذا كلّه يسقط، لأنّ في إلزامه ما لم يعتقد لزومه تنفيراً له عن الإسلام، فقدّمت مصلحة الإسلام على مصلحة ذوي الحقوق‏.‏

وأمّا حقوق اللّه تعالى فتسقط مطلقاً رضي بها أم لا‏.‏ والفرق بينها وبين حقوق الآدميّين من وجهين‏:‏ أحدهما‏:‏ أنّ الإسلام حقٌّ للّه تعالى، والعبادات حقٌّ للّه تعالى، فلمّا كان الحقّان لجهةٍ واحدةٍ ناسب أن يقدّم أحدهما على الآخر، ويسقط أحدهما الآخر، لحصول الحقّ الثّاني لجهة الحقّ السّاقط‏.‏ وأمّا حقّ الآدميّين فلجهة الآدميّين، والإسلام ليس حقّاً لهم، بل لجهة اللّه تعالى، فناسب ألاّ يسقط حقّهم بتحصيل حقّ غيرهم‏.‏

وثانيهما‏:‏ أنّ اللّه تعالى كريمٌ جوادٌ، تناسب رحمته المسامحة، والعبد بخيلٌ ضعيفٌ، فناسب ذلك التّمسّك بحقّه، فسقطت حقوق اللّه تعالى مطلقاً، وإن رضي بها، كالنّذور والأيمان، أو لم يرض بها كالصّلوات‏.‏ ولا يسقط من حقوق العباد إلاّ ما تقدّم الرّضى به، فهذا هو الفرق بين القاعدتين‏.‏

الآثار اللاّحقة لدخول الإسلام

8 - إذا أسلم الكافر أصبح كغيره من المسلمين، له ما لهم من الحقوق، وعليه ما عليهم من الواجبات‏.‏ فتلزمه التّكاليف الشّرعيّة، كالعبادات والجهاد‏.‏ إلخ‏.‏ وتجري عليه أحكام الإسلام، كإباحة تولّي الولايات العامّة كالإمامة، والقضاء، والولايات الخاصّة الواقعة على المسلمين‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ‏.‏

الأثر المترتّب على الإسلام فيما يتعلّق بالتّكاليف الشّرعيّة كالعبادات والجهاد وغيرها

9 - الكافر في حال كفره هل هو مخاطبٌ بفروع الشّريعة ومكلّفٌ بها أم لا‏؟‏ قال النّوويّ‏:‏ المختار أنّ الكفّار مخاطبون بفروع الشّريعة المأمور بها، والمنهيّ عنها، ليزداد عذابهم في الآخرة‏.‏ ويستوفي المسألة علماء الأصول في مباحث التّكليف، فليرجع إليها‏.‏

فإذا أسلم الكافر فإنّه يعصم بذلك نفسه وماله وأولاده الصّغار، كما في الحديث المعروف‏:‏ «أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يقولوا‏:‏ لا إله إلاّ اللّه، فمن قالها فقد عصم منّي ماله ونفسه إلاّ بحقّه، وحسابه على اللّه» وفي روايةٍ أخرى‏:‏ «فإذا فعلوا ذلك حرمت علينا دماؤهم وأموالهم، إلاّ بحقّها، لهم ما للمسلمين، وعليهم ما على المسلمين» فتثبت هذه العصمة للنّفس مباشرةً، وللمال تبعاً لعصمة النّفس، وتجري عليه أحكام الشّريعة الجارية على المسلمين تلك الّتي كانت ممنوعةً عنه بالكفر‏.‏

ويحصل التّوارث بينه وبين أقاربه المسلمين، فيرثهم إن ماتوا، ويرثونه كذلك‏.‏ لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم» ولانعقاد الإجماع على ذلك‏.‏ كما أنّه يحرم من إرث أقاربه الكفّار، ويحلّ له تزوّج المسلمة، كما يحرم عليه تزوّج المشركة من غير أهل الكتاب، أي الوثنيّة‏.‏

وتبطل - في حقّ من أسلم - ماليّة الخمر والخنزير بعدما كان له ذلك، وتلزمه جميع التّكاليف الشّرعيّة وفي مقدّمتها أركان الإسلام‏:‏ الصّلاة والزّكاة والصّوم والحجّ، أصولاً وفروعاً، بالنّسبة لجميع التّكاليف‏.‏ وكذلك يفرض عليه الجهاد، بعدما كان غير مطالبٍ به، لحديث‏:‏ «من مات ولم يغز، ولم يحدّث به نفسه، مات على شعبةٍ من نفاقٍ» وتحلّ الصّلاة خلفه، والصّلاة عليه إذا مات، وغسله وكفنه ودفنه في مقابر المسلمين، إلى غير هذا من أحكامٍ تعرّضت لها كتب الفقه في كلّ المذاهب‏.‏

10 - إذا باع ذمّيٌّ لآخر خمراً وخنزيراً، ثمّ أسلما، أو أسلم أحدهما قبل القبض، يفسخ البيع، لأنّه بالإسلام حرم البيع والشّراء، فيحرم القبض والتّسليم أيضاً، أخذاً من قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا اللّه وذروا ما بقي من الرّبا إن كنتم مؤمنين‏}‏‏.‏

وقال ابن رشدٍ‏:‏ لو أسلموا لأحرزوا بإسلامهم ما بأيديهم من الرّبا وثمن الخمر والخنزير، لقول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏فمن جاءه موعظةٌ من ربّه فانتهى فله ما سلف‏}‏‏.‏

كما يجب على الّذي أسلم أن يهجر بلد الكفر وبلد الحرب‏.‏ قال ابن رشدٍ‏:‏ لقد وجب بالكتاب والسّنّة والإجماع على من أسلم ببلد الكفر أن يهجره، ويلحق بدار المسلمين، ولا يسكن بين المشركين، ويقيم بين أظهرهم، وذلك إذا كان لا يتمكّن من إقامة شعائر دينه، أو يجبر على أحكام الكفر‏.‏ وانظر تفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏هجرةٌ‏)‏‏.‏

ما يشترط لصحّته الإسلام

11 - ممّا يشترط الإسلام لصحّته من التّصرّفات‏:‏

‏(‏1‏)‏ العقد على المرأة المسلمة‏.‏

‏(‏2‏)‏ ولاية عقد نكاحها‏.‏

‏(‏3‏)‏ الشّهادة على عقد نكاحها‏.‏

‏(‏4‏)‏ شركة المفاوضة، وهي أن يتساوى الشّركاء في المال والدّين والتّصرّف‏.‏ وأجازها أبو يوسف بين المسلم والذّمّيّ‏.‏

‏(‏5‏)‏ الوصيّة بمصحفٍ أو ما بمعناه، فلا بدّ من كون الموصى له مسلماً‏.‏

‏(‏6‏)‏ النّذر، فيشترط إسلام النّاذر، لأنّ النّذر لا بدّ أن يكون قربةً، وفعل الكافر لا يوصف بكونه قربةً‏.‏ وهذا مذهب الحنفيّة والمالكيّة وظاهر مذهب الشّافعيّة‏.‏ ويصحّ عند الحنابلة‏.‏ قال صاحب كشّاف القناع‏:‏ ويصحّ النّذر من كافرٍ ولو بعبادةٍ، لحديث عمر رضي الله عنه قال‏:‏ «قلت يا رسول اللّه‏:‏ إنّي كنت نذرت في الجاهليّة أن أعتكف ليلةً، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ أوف بنذرك»‏.‏

‏(‏7‏)‏ القضاء بين المسلمين‏.‏

‏(‏8‏)‏ الولايات العامّة كلّها، وهي الخلافة، وما تفرّع منها، من الولاية وإمارة الجيوش، والوزارة والشّرطة، والدّواوين الماليّة، والحسبة، وذلك لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولن يجعل اللّه للكافرين على المؤمنين سبيلاً‏}‏‏.‏

‏(‏9‏)‏ الشّهادة على المسلمين في غير حال ضرورة الوصيّة في السّفر، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏واستشهدوا شهيدين من رجالكم‏}‏ أي من رجال المسلمين‏.‏ وقال الإمام ابن قيّم الجوزيّة الحنبليّ‏:‏ أجاز اللّه سبحانه شهادة الكفّار على المسلمين في السّفر في الوصيّة للحاجة بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض‏}‏‏.‏ ثمّ قال‏:‏ وقول الإمام أحمد في قبول شهادته في هذا الموضع ضرورةٌ حضراً وسفراً، ولو قيل تقبل شهادتهم مع أيمانهم في كلّ شيءٍ عدم فيه المسلمون لكان له وجهٌ، ويكون بدلاً مطلقاً‏.‏

ب - الدّين، أو الملّة‏:‏

12 - من معاني الدّين لغةً‏:‏ العادة والسّيرة والحساب والطّاعة والملّة‏.‏ وقد وردت هذه الكلمة في القرآن الكريم بمعانٍ متعدّدةٍ‏.‏

التّوحيد‏:‏ كما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إنّ الدّين عند اللّه الإسلام‏}‏‏.‏

الحساب‏:‏ كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏الّذين يكذّبون بيوم الدّين‏}‏‏.‏

الحكم‏:‏ كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك‏}‏‏.‏

الملّة‏:‏ كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏هو الّذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحقّ‏}‏‏.‏

وكقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وذلك دين القيّمة‏}‏ يعني الملّة المستقيمة‏.‏

واصطلاحاً‏:‏ يطلق الدّين على الشّرع، كما يطلق على ملّة كلّ نبيٍّ‏.‏ وقد يخصّ بملّة الإسلام، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏إنّ الدّين عند اللّه الإسلام‏}‏‏.‏

13 - وعلى ضوء هذه المعاني اللّغويّة، وعلى ضوء التّوجيه القرآنيّ الّذي سلك في استعمال هذه الكلمة بالمعاني الّتي ذكرناها، أو بغيرها الّتي اشتمل عليها القرآن، لا نكاد نلمس قرقاً جوهريّاً بين مسمّى الإسلام ومسمّى الدّين، ما عدا العموم والخصوص‏.‏

ما يُخْرِج المرء عن الإسلام

14 - كلّ ما يصير الكافر بالإقرار به مسلماً يكفر المسلم بإنكاره‏.‏ وكذا كلّ ما يقطع الإسلام من نيّة كفرٍ، أو قول كفرٍ، أو فعل كفرٍ، سواءٌ استهزاءً أم اعتقاداً أم عناداً‏.‏ وقال القاضي أبو بكر بن العربيّ‏:‏ كلّ من فعل فعلاً من خصائص الكفّار على أنّه دينٌ، أو ترك فعلاً من أفعال المسلمين يدلّ على إخراجه من الدّين، فهو كافرٌ بهذين الاعتقادين لا بالفعلين‏.‏

وفي الدّرّ المختار‏:‏ لا يخرج الرّجل من الإيمان إلاّ جحود ما أدخله فيه، ثمّ ما تيقّن أنّه ردّةٌ يحكم بها، وما يشكّ أنّه ردّةٌ لا يحكم به، إذ الإسلام الثّابت لا يزول بالشّكّ، مع أنّ الإسلام يعلو ولا يعلى عليه‏.‏ وفي الخلاصة وغيرها، إذا كان في المسألة وجوهٌ توجب التّكفير ووجهٌ واحدٌ يمانعه فعلى المفتي أن يميل إلى الوجه الّذي يمنع التّكفير تحسيناً للظّنّ بالمسلم، إلاّ إذا صرّح بإرادة موجب الكفر فلا ينفع التّأويل‏.‏ وللتّفصّل يرجع إلى مصطلح ‏(‏ردّةٌ‏)‏‏.‏

ما يصير به الكافر مسلماً

15 - ذكر الفقهاء أنّ هناك طرقاً ثلاثةً يحكم بها على كون الشّخص مسلماً وهي‏:‏

النّصّ - والتّبعيّة - والدّلالة‏.‏

أمّا النّصّ فهو أن يأتي بالشّهادتين صريحاً‏.‏

وأمّا التّبعيّة فهي أن يأخذ التّابع حكم المتبوع في الإسلام، كما يتّبع ابن الكافر الصّغير أباه إذا أسلم مثلاً، وسيأتي الكلام عليها مستوفًى‏.‏

وأمّا طريق الدّلالة فهي سلوك طريق الفعل للدّخول في الإسلام‏.‏

أوّلاً‏:‏ الإسلام النّصّ‏:‏

وهو النّطق بالشّهادتين وما يقوم مقام النّطق، والبرء من كلّ دينٍ غير دين الإسلام‏.‏

16 - يكفي كلّ الكفاية التّصريح بالشّهادة بوحدانيّة اللّه تعالى وتقديسه، مدعّماً بالتّصديق الباطنيّ والاعتقاد القلبيّ الجازم بالرّبوبيّة والإقرار بالعبوديّة له تعالى، والتّصريح كذلك بكلمة الشّهادة برسالة محمّدٍ صلى الله عليه وسلم وبما جاء به من عند اللّه من أصول العقائد وشرائع الإسلام، من صلاةٍ وزكاةٍ وصيامٍ وحجٍّ، فليس هناك عنوانٌ في قوّته ودلالته على التّحقّق من هذه العقيدة الكاملة أصرح من النّطق بصيغتي الشّهادتين‏:‏ ‏"‏ أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وأشهد أنّ محمّداً رسول اللّه ‏"‏‏.‏

فالكافر الّذي أنار اللّه بصيرته وأشرقت على قلبه أنوار اليقين، ويريد أن يعتنق الإسلام فلا بدّ له من التّلفّظ بالشّهادتين عند التّمكّن والقدرة على ذلك، بخلاف غير القادر كالأخرس، ومن غير المتمكّن كالخائف والشّرق ومن عاجلته المنيّة، وكلّ من قام به عذرٌ يمنعه النّطق، فنصدّق عذره إن تمسّك به بعد زوال المانع‏.‏ ولا لزوم لأن تكون صيغتهما بالعربيّة حتّى بالنّسبة لمن يحسنها‏.‏ وأمّا من يرى اختصاص رسالة محمّدٍ صلى الله عليه وسلم بالعرب، فلا بدّ أن يقرّ بعموم رسالته‏.‏ وأمّا المسلم أصالةً، أي من كان من أبناء المسلمين، فهو مسلمٌ تبعاً لوالديه، ومحمولٌ على ذلك، ولو لم ينطق بالشّهادتين طوال عمره‏.‏

وأوجبها عليه بعضهم ولو مرّةً في العمر‏.‏

17 - وقد ذهب جمهور المحقّقين إلى أنّ التّصديق بالقلب كافٍ في صحّة مطلق الإيمان بينه وبين اللّه‏.‏ وأمّا الإقرار بالشّهادتين فإنّه شرطٌ لإجراء الأحكام الدّنيويّة عليه فقط، ولا يحكم عليه بكفرٍ إلاّ إن اقترن به فعلٌ يدلّ على كفره كالسّجود للصّنم‏.‏

إذن فحكم الإسلام في الظّاهر يثبت بالشّهادتين، أو ما يؤدّي معناهما لتقام عليه أحكام الشّريعة فيما له وما عليه كما سيأتي‏.‏ وقد جاء في الحديث الشّريف عن الشّريد بن سويدٍ الثّقفيّ قال‏:‏ «قلت يا رسول اللّه‏:‏ إنّ أمّي أوصت أن أعتق عنها رقبةً مؤمنةً، وعندي جاريةٌ سوداء نوبيّةٌ أفأعتقها‏؟‏ قال‏:‏ ادعها، فدعوتها فجاءت فقال‏:‏ من ربّك‏؟‏ قالت‏:‏ اللّه، قال‏:‏ فمن أنا‏؟‏ قالت‏:‏ رسول اللّه، قال‏:‏ اعتقها فإنّها مؤمنةٌ»‏.‏

وقد قال الإمام النّوويّ‏:‏ اتّفق أهل السّنّة من المحدّثين والفقهاء والمتكلّمين على أنّ المؤمن الّذي يحكم بأنّه من أهل القبلة ولا يخلّد في النّار لا يكون إلاّ من اعتقد بقلبه دين الإسلام اعتقاداً جازماً حاليّاً من الشّكوك ونطق بالشّهادتين‏.‏

18 - فإن اقتصر على إحداهما لم يكن من أهل القبلة إلاّ إذا عجز عن النّطق لخللٍ في لسانه، أو لعدم التّمكّن منه لمعاجلة المنيّة له، أو لغير ذلك فإنّه يكون مؤمناً، أمّا إذا أتى بالشّهادتين فلا يشترط معهما أن يقول‏:‏ أنا بريءٌ من كلّ دينٍ خالف الإسلام، إلاّ إذا كان من الكفّار الّذين يعتقدون اختصاص رسالة سيّدنا محمّدٍ صلى الله عليه وسلم للعرب، فإنّه لا يحكم بإسلامه إلاّ بأن يستبرأ‏.‏ أمّا إذا اقتصر على قوله‏:‏ لا إله إلاّ اللّه، ولم يقل‏:‏ محمّدٌ رسولٌ اللّه، فالمشهور من مذهب الشّافعيّ ومذاهب العلماء أنّه لا يكون مسلماً، ومن أصحابنا الشّافعيّة من قال‏:‏ يكون مسلماً، ويطالب بالشّهادة الأخرى، فإن أبى جعل مرتدّاً، ويحتجّ لهذا القول بقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يقولوا لا إله إلاّ اللّه، فمن قالها فقد عصم منّي ماله ونفسه إلاّ بحقّها، وحسابه على اللّه»‏.‏

وهذا محمولٌ عند الجماهير على قول الشّهادتين، واستغني بذكر إحداهما عن الأخرى لارتباطهما وشهرتهما‏.‏ وجاء في فتح القدير‏:‏ سئل أبو يوسف عن الرّجل كيف يسلم، فقال‏:‏ يقول أشهد أن لا إله إلاّ اللّه، وأنّ محمّداً رسول اللّه، ويقرّ بما جاء من عند اللّه، ويتبرّأ من الدّين الّذي انتحله‏.‏ وفيه أنّ النّصرانيّ يقول‏:‏ أشهد أن لا إله إلاّ اللّه وأنّ محمّداً عبده ورسوله، ويتبرّأ من النّصرانيّة، وكذا اليهوديّة وغيرها‏.‏ وأمّا من في دار الحرب فيحمل على الإسلام إذا قال‏:‏ محمّدٌ رسول اللّه، أو قال‏:‏ دخلت دين الإسلام، أو دخلت دين محمّدٍ صلى الله عليه وسلم فهو دليل إسلامه، فكيف إذا أتى بالشّهادتين‏.‏ وأمّا توبة المرتدّ فهو أن يتبرّأ من كلّ دينٍ غير دين الإسلام، بعد أن يأتي بالشّهادتين، وأن يتبرّأ ممّا انتقل إليه‏.‏

أركان الإسلام

أركان الإسلام خمسةٌ‏:‏

19 - جاءت الآيات القرآنيّة الكريمة مجملةً بالأوامر والأحكام فيما يخصّ هذه الأركان، وكذلك في السّنّة النّبويّة أحاديث كثيرةٌ، فمن ذلك ما رواه عمر بن الخطّاب قال‏:‏ سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ «بني الإسلام على خمسٍ‏:‏ شهادة أن لا إله إلاّ اللّه، وأنّ محمّداً رسول اللّه، وإقام الصّلاة، وإيتاء الزّكاة، والحجّ، وصوم رمضان»‏.‏ رواه البخاريّ ومسلمٌ‏.‏ وأيضاً الحديث السّابق المشهور بحديث جبريل‏.‏

الرّكن الأوّل‏:‏ شهادة أن لا إله إلاّ اللّه، وأنّ محمّداً رسول اللّه‏:‏

20 - هذه الشّهادة من أوّل ما يدخل به المرء في الإسلام، فكانت أوّل واجبٍ على المكلّف يتحتّم عليه أداؤه تصديقاً واعتقاداً ونطقاً‏.‏ وأئمّة السّلف كلّهم متّفقون على أنّ أوّل ما يؤمر به العبد الشّهادتان‏.‏ وقد كانت رسالات كلّ الرّسل تدعو إلى التّوحيد الّذي تضمّنته هذه الكلمة، والإقرار بالألوهيّة والرّبوبيّة للّه سبحانه وتعالى‏.‏ وقد جاء في القرآن الكريم‏:‏ ‏{‏وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ إلاّ نوحي إليه أنّه لا إله إلاّ أنا فاعبدون‏}‏ فكانت هذه الكلمة أوّل ما يدخل به المرء في الإسلام، وإذا كانت آخر ما يخرج به المسلم من الدّنيا دخل بها الجنّة، كما قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من كان آخر كلامه لا إله إلاّ اللّه دخل الجنّة»‏.‏ والإيمان أيضاً برسالة محمّدٍ صلى الله عليه وسلم هو إيمانٌ بجميع ما جاء به من عند اللّه وما تتضمّنه رسالته، وإيمانٌ بجميع الرّسل، وتصديقٌ برسالاتهم‏.‏ والجمع بين هذين الأصلين في هذا الرّكن الرّكين الّذي يسبق كلّ الأركان تتحقّق به باقي الأركان‏.‏

الرّكن الثّاني‏:‏ إقام الصّلاة‏.‏

21 - الصّلاة لغةً بمعنى الدّعاء، وقد أضاف الشّرع إلى الدّعاء ما شاء من أقوالٍ وأفعالٍ وسمّي مجموع ذلك الصّلاة، أو هي منقولةٌ من الصّلة الّتي تربط بين شيئين، فهي بذلك صلةٌ بين العبد وربّه، وفرضت ليلة الإسراء بمكّة قبل الهجرة بسنةٍ‏.‏

ووجوب الصّلوات الخمس من المعلوم من الدّين بالضّرورة بالكتاب والسّنّة والإجماع‏.‏ فمن جحدها كلّها أو بعضها فهو كافرٌ مرتدٌّ‏.‏

أمّا من أقرّ بوجوبها وامتنع من أدائها، فقيل‏:‏ فاسقٌ يقتل حدّاً إن تمادى على الامتناع، وقيل‏:‏ من تركها متعمّداً أو مفرّطاً فهو كافرٌ يقتل كفراً‏.‏

وقد جاءت الآيات الكثيرة من القرآن الكريم دالّةٌ على ذلك، منها قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وأقيموا الصّلاة وآتوا الزّكاة‏}‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إنّ الصّلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً‏}‏، وغيرها كثيرٌ‏.‏ أمّا الأحاديث النّبويّة فمنها «سئل صلى الله عليه وسلم‏:‏ أيّ الأعمال أفضل‏؟‏ فقال‏:‏ الصّلاة لمواقيتها» إلى غير ذلك‏.‏ ر‏:‏ ‏(‏صلاةٌ‏)‏‏.‏

الرّكن الثّالث‏:‏ إيتاء الزّكاة‏.‏

22 - الزّكاة لغةً‏:‏ النّموّ والزّيادة‏.‏ يقال‏:‏ زكا الشّيء إذا نما وكثر، إمّا حسّاً كالنّبات والمال، أو معنًى كنموّ الإنسان بالفضائل والصّلاح‏.‏

وشرعاً‏:‏ إخراج جزءٍ من مالٍ مخصوصٍ لقومٍ مخصوصين بشرائط مخصوصةٍ، وسمّيت صدقة المال زكاةً، لأنّها تعود بالبركة في المال الّذي أخرجت منه وتنمّيه‏.‏ وركنيّتها ووجوبها ثابتان بالكتاب والسّنّة والإجماع‏.‏ فمن جحد وجوبها مرتدٌّ، لإنكاره ما قام من الدّين ضرورةً‏.‏ ومن أقرّ بوجوبها وامتنع من أدائها أخذت منه كرهاً، بأن يقاتل ويؤدّب على امتناعه عن أدائها‏.‏ وقرنت بالصّلاة في القرآن الكريم في اثنين وثمانين آيةً‏.‏

وفرضت في مكّة مطلقةً أوّلاً، وفي السّنة الثّانية من الهجرة حدّدت الأنواع الّتي تجب فيها، ومقدار النّصاب في كلٍّ ر‏:‏ ‏(‏زكاةٌ‏)‏‏.‏

الرّكن الرّابع‏:‏ الصّيام‏.‏

23 - الصّوم لغةً‏:‏ مطلق الإمساك والكفّ، فكلّ من أمسك عن شيءٍ يقال فيه‏:‏ صام عنه‏.‏ وفي الشّرع‏:‏ الإمساك عن شهوتي الفرج والبطن يوماً كاملاً بنيّة التّقرّب‏.‏

ووجوبها وركنيّتها ثابتان بالكتاب والسّنّة والإجماع‏.‏ قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏يا أيّها الّذين آمنوا كتب عليكم الصّيام كما كتب على الّذين من قبلكم لعلّكم تتّقون أيّاماً معدوداتٍ‏}‏‏.‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فمن شهد منكم الشّهر فليصمه‏}‏‏.‏ ومن السّنّة قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته» ر‏:‏ ‏(‏صيامٌ‏)‏‏.‏

الرّكن الخامس‏:‏ الحجّ‏.‏

24 - الحجّ في اللّغة‏:‏ القصد‏.‏ وشرعاً‏:‏ القصد إلى البيت الحرام بشرائط مخصوصةٍ وفي أيّامٍ مخصوصةٍ‏.‏ والأصل في وجوبه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وللّه على النّاس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلاً‏}‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وأتمّوا الحجّ والعمرة للّه‏}‏‏.‏ ومن السّنّة قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إنّ اللّه فرض عليكم الحجّ فحجّوا»‏.‏

فركنيّته ووجوبه ثابتان بالكتاب والسّنّة والإجماع، وهو معلومٌ من الدّين بالضّرورة، فمن جحد ذلك فهو كافرٌ‏.‏ ومن أقرّ به وتركه فاللّه حسبه، لا يتعرّض إليه بشيءٍ، لتوقّفه على الاستطاعة وسقوطه بعدمها‏.‏ ر‏:‏ ‏(‏حجٌّ‏)‏‏.‏

ثانياً‏:‏ الإسلام بالتّبعيّة

إسلام الصّغير بإسلام أحد أبويه‏:‏

25 - اتّفق الفقهاء على أنّه إذا أسلم الأب وله أولادٌ صغارٌ، أو من في حكمهم - كالمجنون إذا بلغ مجنوناً - فإنّ هؤلاء يحكم بإسلامهم تبعاً لأبيهم‏.‏

وذهب الجمهور ‏(‏الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة‏)‏ إلى أنّ العبرة بإسلام أحد الأبوين، أباً كان أو أمّاً، فيحكم بإسلام الصّغار بالتّبعيّة، لأنّ الإسلام يعلو ولا يعلى عليه، لأنّه دين اللّه الّذي ارتضاه لعباده‏.‏ وقال مالكٌ‏:‏ لا عبرة بإسلام الأمّ أو الجدّ، لأنّ الولد يشرف بشرف أبيه وينتسب إلى قبيلته‏.‏ وذهب الشّافعيّة إلى أنّ إسلام الجدّ - وإن علا - يستتبع الحكم بإسلام الأحفاد الصّغار ومن في حكمهم، ولو كان الأب حيّاً كافراً، وذلك لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏والّذين آمنوا واتّبعتهم ذرّيّتهم بإيمانٍ ألحقنا بهم ذرّيّتهم‏}‏‏.‏

وقال الثّوريّ‏:‏ إذا بلغ الصّبيّ يخيّر بين دين أبويه، فأيّهما اختار كان على دينه‏.‏

الإسلام بالتّبعيّة لدار الإسلام‏:‏

26 - يدخل في ذلك الصّغير إذا سبي ولم يكن معه أحدٌ من أبويه، إذا أدخله السّابي إلى دار الإسلام‏.‏ وكذلك لقيط دار الإسلام، حتّى لو كان ملتقطه ذمّيّاً‏.‏ وكذلك اليتيم الّذي مات أبواه وكفله أحد المسلمين، فإنّه يتّبع كافله وحاضنه في الدّين، كما صرّح بذلك ابن القيّم‏.‏ وانفرد الحنابلة بأنّ الولد يحكم بإسلامه إذا مات واحدٌ من أبويه الذّمّيّين، واستدلّوا بقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «كلّ مولودٍ يولد على الفطرة، فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه»‏.‏

ثالثاً‏:‏ الإسلام بالدّلالة

27 - قال ابن نجيمٍ‏:‏ الأصل أنّ الكافر متى فعل عبادةً فإن كانت موجودةً في سائر الأديان لا يكون بها مسلماً، كالصّلاة منفرداً، والصّوم، والحجّ الّذي ليس بكاملٍ، والصّدقة، ومتى فعل ما اختصّ بشرعنا، ولو من الوسائل كالتّيمّم‏.‏ وكذلك ما كان من المقاصد أو من الشّعائر، كالصّلاة بجماعةٍ والحجّ الكامل والأذان في المسجد وقراءة القرآن، يكون به مسلماً، وإليه أشار في المحيط وغيره‏.‏ وقد اعتبر الفقهاء جملةً من الأفعال تقوم دلالةً على كون الشّخص مسلماً، ولو لم يعرف عنه النّطق بالشّهادتين‏.‏

أ - الصّلاة‏:‏

28 - يرى الحنفيّة والحنابلة أنّه يحكم بإسلام الكافر بفعل الصّلاة‏.‏ لكن قال الحنابلة‏:‏ يحكم بإسلامه بالصّلاة سواءٌ في دار الحرب أو دار الإسلام، وسواءٌ صلّى جماعةً أو فرداً، فإن أقام بعد ذلك على الإسلام، وإلاّ فهو مرتدٌّ تجري عليه أحكام المرتدّين‏.‏

وإن مات قبل ظهور ما ينافي الإسلام فهو مسلمٌ، يرثه ورثته المسلمون دون الكافرين، واحتجّوا بقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إنّي نهيت عن قتل المصلّين» وقوله‏:‏ «العهد الّذي بيننا وبينهم الصّلاة» وقوله‏:‏ «من صلّى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الّذي له ذمّة اللّه وذمّة رسوله، فلا تخفروا اللّه في ذمّته»‏.‏ فجعلها حدّاً بين الإيمان والكفر، فمن صلّى فقد دخل في حدّ الإسلام، ولأنّها عبادةٌ تختصّ بالمسلمين فالإتيان بها إسلامٌ، كالشّهادتين‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ لا يحكم بإسلامه بالصّلاة إلاّ إن صلاّها كاملةً في الوقت مأموماً في جماعةٍ، إلاّ أنّ محمّد بن الحسن يرى أنّه حتّى لو صلّى وحده مستقبل القبلة فإنّه يحكم بإسلامه، وقال المالكيّة وبعض الشّافعيّة‏:‏ لا يحكم بإسلام الكافر بمجرّد صلاته، لأنّ الصّلاة من فروع الإسلام، فلم يصر مسلماً بفعلها، كالحجّ والصّيام، ولأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يشهدوا أن لا إله إلاّ اللّه وأنّي رسول اللّه، فإذا قالوها عصموا منّي دماءهم وأموالهم إلاّ بحقّها»‏.‏ وقال بعضهم‏:‏ إن صلّى في دار الإسلام فليس بمسلمٍ، لأنّه قد يقصد الاستتار بالصّلاة وإخفاء دينه، وإن صلّى في دار الحرب فهو مسلمٌ، لأنّه لا تهمة في حقّة‏.‏ والدّليل لذلك قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من صلّى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الّذي له ذمّة اللّه وذمّة رسوله فلا تخفروا اللّه في ذمّته»‏.‏ وقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إذا رأيتم الرّجل يتعاهد المساجد فاشهدوا له بالإيمان» فإنّ اللّه يقول‏:‏ ‏{‏إنّما يعمر مساجد اللّه من آمن باللّه واليوم الآخر وأقام الصّلاة وآتى الزّكاة ولم يخش إلاّ اللّه فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين‏}‏‏.‏

قال ابن قدامة‏:‏ من صلّى حكمنا بإسلامه ظاهراً، أمّا صلاته في نفسه فأمرٌ بينه وبين اللّه تعالى‏.‏ فالرّجل يتعهّد المساجد ويرتادها لإقامة الصّلوات في أوقاتها والإنصات فيها لما يتلى من آيات اللّه، وما يلقى فيها من العبر والعظات، والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، مع العلم بأنّ المساجد لا يرتادها إلاّ المؤمنون الطّائعون والمخلصون في إيمانهم للّه، فلا جرم إن كان هذا الحديث النّبويّ يشير إلى أنّ هذا الارتياد هو أمارةٌ على الإيمان، يشهد له قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إنّما يعمر مساجد اللّه من آمن باللّه واليوم الآخر‏}‏‏.‏ الآية‏.‏

ب - الأذان‏:‏

29 - ويحكم بإسلام الكافر بالأذان في المسجد وفي الوقت، لأنّه من خصائص ديننا وشعار شرعنا، وليس لمجرّد أنّه يشتمل على الشّهادتين، بل لأنّه من قبيل الإسلام بالفعل‏.‏

ج - سجود التّلاوة‏:‏

30 - ويحكم بإسلام الكافر بسجود التّلاوة، لأنّه من خصائصنا، فإنّه سبحانه أخبر عن الكفّار في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون‏}‏‏.‏

د - الحجّ‏:‏

31 - وكذلك لو حجّ، وتهيّأ للإحرام‏.‏ ولبّى وشهد المناسك مع المسلمين، فإنّه يحكم بإسلامه‏.‏ وإن لبّى ولم يشهد المناسك، أو شهدها ولم يلبّ، فلا يحكم بإسلامه‏.‏

إسلامٌ

انظر‏:‏ سلمٌ‏.‏

إسلافٌ

انظر‏:‏ سلفٌ‏.‏

إسنادٌ

التعريف

1 - الإسناد لغةً يكون‏:‏

أ - بمعنى إمالة الشّيء إلى الشّيء حتّى يعتمد عليه‏.‏

ب - ويأتي أيضاً بمعنى رفع القول إلى قائله ونسبته إليه‏.‏

ويأتي اصطلاحاً لمعانٍ‏:‏

أ - إعانة الغير، كالمريض مثلاً، بتمكينه من التّوكّؤ على المسند، ونحوه إسناد الظّهر إلى الشّيء‏.‏ وتفصيل الكلام في الإسناد بهذا المعنى يأتي تحت عنواني‏:‏ ‏(‏استنادٌ‏)‏ ‏(‏وإعانةٌ‏)‏‏.‏

ب - ما يذكر لتقوية القضيّة المدّعاة‏.‏ والكلام فيه تحت عنواني ‏(‏إثباتٌ‏)‏ ‏(‏وسندٌ‏)‏‏.‏

ج - الإضافة، ومنه قولهم‏:‏ إسناد الطّلاق إلى وقتٍ سابقٍ وتفصيله في مصطلح ‏(‏إضافةٌ‏)‏‏.‏

د - الطّريق الموصّل إلى متن الحديث‏.‏ وبيانه فيما يلي‏:‏

الإسناد بمعنى الطّريق الموصّل إلى متن الحديث

2 - هذا الاصطلاح هو للأصوليّين والمحدّثين، وله عندهم إطلاقان‏:‏

الأوّل‏:‏ أنّ إسناد الحديث هو ذكر سنده، وهو ضدّ الإرسال‏.‏ والسّند‏:‏ سلسلة رواته بين القائل والرّاوي الأخير‏.‏ وهذا الاصطلاح في الإسناد هو الأشهر عند المحدّثين‏.‏

الثّاني‏:‏ ونقله ابن الصّلاح عن ابن عبد البرّ، أنّ الإسناد هو رفع الحديث إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ فمقابل الحديث المسند - على هذا القول - الحديث الموقوف، وهو ما لم يرفع إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ بل هو من قول الصّحابيّ‏.‏

والمقطوع‏:‏ وهو ما انتهى إلى التّابعيّ‏.‏

العلاقة بين الإسناد والسّند

3 - السّند‏:‏

السّند هو الطّريق الموصّل إلى متن الحديث‏.‏ والمراد بالطّريق‏:‏ سلسلة رواة الحديث، والمراد بمتن الحديث‏:‏ ألفاظ الحديث المرويّة‏.‏ وأمّا الإسناد فهو ذكر ذلك الطّريق وحكايته والإخبار به‏.‏ فبين ‏(‏الإسناد‏)‏ ‏(‏والسّند‏)‏ تباينٌ‏.‏ وهذا الوجه هو المشهور في التّفريق بين الاصطلاحين‏.‏ قال السّخاويّ‏:‏ هو الحقّ‏.‏

ونقل السّيوطيّ في التّفريق بين الاصطلاحين خلاف هذا‏.‏ قال‏:‏ قال ابن جماعة والطّيبيّ‏:‏ السّند هو الإخبار عن طريق المتن، وأمّا الإسناد فهو رفع الحديث إلى قائله‏.‏ هذا ما نصّوا عليه في الفرق بين الاصطلاحين، ولكن باستقراء مواضع من كلام المحدّثين نجدهم يستعملون الإسناد بمعنى السّند كثيراً بنوعٍ من التّساهل أو المجاز، حتّى لقد قال ابن جماعة‏:‏ المحدّثون يستعملون السّند والإسناد بمعنًى واحدٍ‏.‏

منزلة الإسناد

4 - يقول الأصوليّون‏:‏ إنّ الاحتجاج بالسّنة موقوفٌ بالنّسبة إلينا على السّند، بأن يقول المحتجّ بها‏:‏ حدّثني فلانٌ من غير واسطةٍ، أو بواسطةٍ أنّه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ أو فعل، أو أقرّ كذا‏.‏‏.‏ وإن لم يكن الاحتجاج موقوفاً على السّند بالنّسبة إلى الصّحابة، أي لسماعهم الأحاديث من النّبيّ صلى الله عليه وسلم مباشرةً‏.‏ ومباشرتهم لرؤية أفعاله‏.‏ وهذا في غير المتواتر، أمّا المتواتر فيغني تواتره عن بيان إسناده‏.‏ وقد نقل مسلمٌ في مقدّمة صحيحه عن عبد اللّه بن المبارك رضي الله عنه أنّه قال‏:‏ الإسناد من الدّين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء‏.‏ وقال الشّافعيّ رضي الله عنه‏:‏ الّذي يطلب الحديث بلا سندٍ كحاطب ليلٍ يحمل حزمة حطبٍ وفيه أفعى وهو لا يدري‏.‏

5 - وإنّما احتيج إلى الإسناد للحاجة إلى ضبط المرويّات والتّوثّق منها، وظهرت تلك الحاجة بعدما شرع أهل الأهواء في افتراء أحاديث يقوّون بها ما يذهبون إليه‏.‏

قال ابن سيرين‏:‏ لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلمّا وقعت الفتنة قالوا‏:‏ سمّوا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السّنّة فيؤخذ حديثهم، وإلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم‏.‏

الإسناد وثبوت الحديث

6 - إن كان إسناد الحديث صحيحاً لم يلزم منه صحّة المتن وثبوته، لاحتمال كون الحديث شاذّاً، أو لاحتمال وجود علّةٍ قادحةٍ‏.‏ فإنّ الحديث إنّما يكون صحيحاً إذا جمع إلى صحّة الإسناد السّلامة من الشّذوذ والعلّة‏.‏ إلاّ أنّ بعضهم ذكر أنّ أئمّة نقد الحديث إذا قال الواحد منهم في حديثٍ‏:‏ إنّه صحيح الإسناد، ولم يقدح فيه فالظّاهر منه الحكم على الحديث بأنّه صحيحٌ في نفسه، لأنّ عدم العلّة والقادح هو الأصل والظّاهر‏.‏ كذا ذكره ابن الصّلاح في مقدّمته‏.‏ ولا يلزم من صحّة الحديث ظاهراً أنّه مقطوعٌ بصحّته في نفس الأمر، لجواز الخطّ أو النّسيان على الثّقة‏.‏ ولكنّ إسناد الحديث ليس بشرطٍ لصحّة الحديث المرسل، ويحتجّ به إن كان الّذي أرسله ثقةٌ، وهو قول الأئمّة الثّلاثة‏:‏ أبي حنيفة ومالكٍ وأحمد، وقيل في تعليل ذلك‏:‏ من أسند فقد أحالك، ومن أرسل فقد تكفّل لك، أي بالصّحّة‏.‏ ولا يقبله الإمام الشّافعيّ إلاّ إن اعتضد بما يقوّيه‏.‏ وفي المسألة تفصيلاتٌ أخرى‏.‏ انظر ‏(‏إرسالٌ‏)‏‏.‏

والصّحيح أنّ المسند من الأحاديث أقوى من المرسل‏.‏

صفات الأسانيد

7 - يوصف الإسناد بصفاتٍ مختلفةٍ، فقد يوصف مثلاً بالعلوّ أو بالنّزول‏.‏ فإن كانت الوسائط قليلةً فهو إسنادٌ عالٍ، وإن كانت كثيرةً فهو نازلٌ‏.‏

كما يوصف الإسناد بالقوّة والصّحّة، أو بالحسن أو بالضّعف، وقد يقال‏:‏ إسنادٌ معنعنٌ، أو مدلّسٌ، أو غريبٌ، أو غير ذلك‏.‏ ويعرف ذلك كلّه بالرّجوع إلى مواطنه من كتب علوم الحديث أو أبواب السّنّة من الملحق الأصوليّ‏.‏

ما يحتاج إلى الإسناد‏.‏ والإسناد في العصر الحديث

8 - يحتاج إلى الإسناد كلّ ما يحتجّ به ممّا ليس بمتواترٍ، ومن ذلك ثبوت القراءات القرآنيّة بالإسناد‏.‏ ومنه أيضاً ثبوت الأحاديث النّبويّة القوليّة والفعليّة المرويّة بالإسناد‏.‏ وقد دخل الإسناد في رواية الكتب المؤلّفة في علوم الدّين، حتّى إنّه دخل في رواية كتب اللّغة والأدب والتّاريخ وغيرها‏.‏ إلاّ أنّ الإسناد ترك غالباً في هذه الأعصر الأخيرة، حتّى في كتب الحديث‏.‏ ولعلّ ذلك اكتفاءً من العلماء بتواتر تلك الكتب عن مؤلّفيها، كالبخاريّ ومسلمٍ وأبي داود، أو لشهرتها عنهم، ممّا يغني عن إيراد الأسانيد، ونظراً لطول الأسانيد ونزولها بدرجةٍ تضعّفت الثّقة بها، فلا تكاد تكافئ ما قد يبذل فيها من الجهود‏.‏ ومع ذلك ففي إحيائها بركة المحافظة على هذه الخصّيصة من خصائص، الأمّة الإسلاميّة‏.‏

إسهامٌ

التعريف

1 - الإسهام في اللّغة يأتي بمعنيين‏:‏ الأوّل‏:‏ جعل الشّخص صاحب حصّةٍ أو نصيبٍ، يقال‏:‏ أسهمت له بألفٍ، يعني أعطيته ألفاً‏.‏ ويصبح الشّخص ذا سهمٍ في أمورٍ منها‏:‏ الميراث، والقسمة، والغنيمة، والفيء، والنّفقة، والشّرب إن كان له استحقاقٌ في ذلك‏.‏

والثّاني‏:‏ الإقراع‏.‏ يقال‏:‏ أسهم بينهم، أي أقرع بينهم‏.‏ ولا يخرج استعمال الفقهاء عن هذين المعنيين‏.‏

الإسهام بالمعنى الأوّل‏:‏ جعل الشّخص صاحب حصّةٍ‏:‏

2 - الإسهام في جميع حالات الاشتراك، كالاشتراك في الهدي، يجعل لكلٍّ من المشتركين سهماً فيه‏.‏ والاشتراك في العمل يجعل لكلٍّ من المشتركين سهماً من الرّبح أو تحمل الخسارة‏.‏ كما يثبت الإسهام لكلٍّ من الشّركاء نصيباً في الشّفعة‏.‏ والاشتراك في الرّهن - إذا رهن عيناً عند اثنين - يجعل لكلٍّ من المرتهنين حظّاً في حفظها‏.‏

والاشتراك في الجناية الخطأ يوجب على كلٍّ من الجناة حظّاً من الدّية، ومن ذلك إسهام العاقلة في تحمّل الدّية في جناية الخطأ‏.‏ وقد فصّل الفقهاء ذلك في أبوابه الخاصّة به‏.‏

الإسهام بالمعنى الثّاني‏:‏ القرعة‏:‏

3 - اتّفق الفقهاء على جواز القرعة إذا كانت لتطييب القلوب، بل هي مندوبةٌ في ذلك، كإقراع المسافر بين نسائه لإخراج من يسافر بها منهنّ، والإقراع بينهنّ لتعيين من يبدأ بها في القسمة، ونحو ذلك‏.‏ كما اتّفقوا على مشروعيّة القرعة لتعيين الحقّ في القسمة بعد الإفراز، قطعاً للخلاف وتطييباً للقلوب‏.‏

ولكنّهم اختلفوا في مشروعيّة القرعة لإثبات حقّ البعض وإبطال حقّ البعض الآخر، كمن طلّق إحدى زوجتيه ثمّ مات ولم يعيّن‏.‏ فأنكر الحنفيّة أن يتمّ التّعيين بالقرعة، وأقرّ ذلك غيرهم‏.‏ وقد فصّل الفقهاء ذلك في أبواب العتق والنّكاح والقسمة والطّلاق‏.‏

أسيرٌ

انظر‏:‏ أسرى‏.‏

إشارةٌ

التعريف

1 - الإشارة لغةً‏:‏ التّلويح بشيءٍ يفهم منه ما يفهم من النّطق، فهي الإيماء إلى الشّيء بالكفّ والعين والحاجب وغيرها‏.‏ وأشار عليه بكذا‏:‏ أبدى له رأيه، والاسم الشّورى‏.‏

وهي عند الإطلاق حقيقةٌ في الحسّيّة، وتستعمل مجازاً في الذّهنيّة، كالإشارة بضمير الغائب ونحوه، فإن عدّي ‏"‏ إلى ‏"‏ تكون بمعنى الإيماء باليد، ونحوها، وإن عدّي ب ‏"‏ على ‏"‏ تكون بمعنى الرّأي‏.‏

والإشارة في اصطلاح الفقهاء مثلها في اللّغة، ويستعملها الأصوليّون في مبحث الدّلالات، ويعرّفون دلالة الإشارة بأنّها‏:‏ دلالة اللّفظ على ما لم يقصد به، ولكنّه لازمٌ له‏.‏ كدلالة قوله تعالى‏:‏ ‏{‏لا جناح عليكم إن طلّقتم النّساء ما لم تمسّوهنّ أو تفرضوا لهنّ فريضةً‏}‏ على صحّة النّكاح بدون ذكر المهر، لأنّ صحّة الطّلاق فرع صحّة النّكاح‏.‏

أمّا عبارة النّصّ فهي المعنى الّذي يتبادر فهمه من صيغته، ويكون هو المقصود من سياقه، وسيأتي تفصيل ما يتّصل بذلك في الملحق الأصوليّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الدّلالة‏:‏

2 - الدّلالة‏:‏ كون الشّيء بحيث يفهم منه شيءٌ آخر، كدلالة اللّفظ على المعنى، وهي أعمّ من الإشارة‏.‏

ب - الإيماء‏:‏

3 - الإيماء‏:‏ مرادفٌ للإشارة لغةً، وعند الأصوليّين عرّفه بعضهم بأنّه‏:‏ إلقاء المعنى في النّفس بخفاءٍ‏.‏

صفتها‏:‏ الحكم الإجمالي

4 - الإشارة تقوم مقام اللّفظ في أغلب الأمور، لأنّها تبيّن المراد كالنّطق، ولكنّ الشّارع يقيّد النّاطقين بالعبارة في بعض التّصرّفات كالنّكاح، فإذا عجز إنسانٌ عنها، أقام الشّارع إشارته مقام نطقه في الجملة‏.‏

إشارة الأخرس

5 - إشارة الأخرس معتبرةٌ شرعاً، وتقوم مقام عبارة النّاطق فيما لا بدّ فيه من العبارة، إذا كانت معهودةً في جميع العقود كالبيع، والإجارة، والرّهن، والنّكاح، والحلول‏:‏ كالطّلاق، والعتاق، والإبراء‏.‏ وغير ذلك كالأقارير - ما عدا الإقرار بالحدود، ففيه خلافٌ كما يأتي قريباً - والدّعاوى ‏"‏ والإسلام‏.‏

وهذا القدر متّفقٌ عليه بين الفقهاء فيما نعلم، وفي اللّعان والقذف خلافٌ‏.‏ فقد قال الحنفيّة وبعض الحنابلة‏:‏ إنّ الإشارة لا تقوم مقام النّطق فيهما، لأنّ في الإشارة شبهةٌ يدرأ بها الحدّ، وقال مالكٌ والشّافعيّ وبعض الحنابلة‏:‏ إشارة الأخرس كنطقه فيهما‏.‏

ولا فرق في اعتبار إشارة الأخرس بين أن يكون قادراً على الكتابة، أو عاجزاً عنها، ولا بين أن يكون الخرس أصالةً أو طارئاً عند جمهور الفقهاء‏.‏

ونقل عن المتولّي من الشّافعيّة‏:‏ إنّما تعتبر إشارة الأخرس إذا كان عاجزاً عن الكتابة، لأنّها أضبط‏.‏ ولم يفرّق المالكيّة بين إشارة الأخرس وكتابته، فظاهره أنّه لا يشترط لقبول إشارته العجز عن الكتابة‏.‏

ويشترط الحنفيّة لقبول إشارته ما يلي‏:‏

أ - أن يكون قد ولد أخرس، أو طرأ عليه الخرس ودام حتّى الموت‏.‏ وهذه رواية الحاكم عن أبي حنيفة، وفي هذا من الحرج ما فيه، وقدّر التّمرتاشيّ الامتداد لسنةٍ‏.‏

وفي التتارخانية‏:‏ أنّه إذا طرأ عليه الخرس ودام حتّى صارت إشارته مفهومةً اعتبرت إشارته كعبارته وإلاّ لم تعتبر‏.‏

ب - ألاّ يقدر على الكتابة‏.‏ جاء في تكملة حاشية ابن عابدين‏:‏ قال الكمال‏:‏ قال بعض الشّافعيّة‏:‏ إن كان يحسن الكتابة لا يقع طلاقه بالإشارة، لاندفاع الضّرورة بما هو أدلّ على المراد من الإشارة، وهو قولٌ حسنٌ، وبه قال بعض مشايخنا‏.‏

قال ابن عابدين‏:‏ بل هذا القول تصريحٌ بما هو مفهومٌ من ظاهر الرّواية، ففي كافي الحاكم الشّهيد ما نصّه‏:‏ فإن كان الأخرس لا يكتب، وكان له إشارةٌ تعرف في طلاقه، ونكاحه، وشرائه، وبيعه فهو جائزٌ، وإن كان لم يعرف ذلك منه أو شكّ فيه فهو باطلٌ‏.‏ ثمّ قال‏:‏ فيفيد أنّه إن كان يحسن الكتابة لا تجوز إشارته‏.‏وفي الأشباه والنّظائر‏:‏ أنّ المعتمد أنّ عدم القدرة على الكتابة ليس شرطاً للعمل بالإشارة‏.‏

وقال السّيوطيّ والزّركشيّ من الشّافعيّة‏:‏ يستثنى من هذه القاعدة المتقدّمة في إقامة إشارة الأخرس مقام نطقه مسائل لا تقوم فيها إشارة الأخرس مقام النّطق، منها‏:‏

‏(‏1‏)‏ إذا خاطب بالإشارة في الصّلاة لا تبطل صلاته في الأصحّ‏.‏

‏(‏2‏)‏ إذا نذر بالإشارة لا ينعقد نذره‏.‏

‏(‏3‏)‏ إذا شهد بالإشارة لا تقبل شهادته في الأصحّ، لأنّ إقامتها مقام النّطق للضّرورة، ولا ضرورة في شهادته لإمكان شهادة النّاطق‏.‏

‏(‏4‏)‏ إذا حلف لا يكلّم زيداً فكلّمه بالإشارة لا يحنث‏.‏

‏(‏5‏)‏ إذا حلف بالإشارة لا تنعقد يمينه إلاّ في اللّعان‏.‏

إقرار الأخرس بما يوجب الحدّ

6 - اختلف الفقهاء في صحّة إقرار الأخرس بالزّنى وغيره من الحدود‏.‏ فذهب الشّافعيّة، والقاضي من الحنابلة، وابن القاسم من المالكيّة إلى أنّه يحدّ إن أقرّ بالزّنى بإشارته، قالوا‏:‏ لأنّ من صحّ إقراره بغير الزّنى صحّ إقراره به‏.‏ وذهب الحنفيّة إلى أنّه لا يحدّ بإقراره بالزّنى، لأنّ الإشارة تحتمل ما فهم منها وغيره، فيكون ذلك شبهةً في درء الحدّ، والحدود تدرأ بالشّبهات‏.‏ وتفصيل ذلك في مصطلحي‏:‏ ‏(‏حدودٌ، وإقرارٌ‏)‏‏.‏

إشارة الأخرس بالإقرار بما يوجب القصاص

7 - إشارته في ذلك مقبولةٌ في قول الفقهاء في القصاص، لأنّه من حقوق العباد‏.‏

تقسيم إشارة الأخرس‏:‏

8 - صرّح الشّافعيّة بأنّه إذا كانت إشارة الأخرس بحيث يفهمها كلّ من وقف عليها فهي صريحةٌ‏.‏ وإن كان يختصّ بفهمها ذوو الفطنة والذّكاء، فهي كنايةٌ وإن انضمّ إليها قرائن‏.‏ وتعرف نيّة الأخرس فيما إذا كانت إشارته كنايةً بإشارةٍ أخرى أو كتابةٍ‏.‏ أمّا إذا لم يفهم إشارته أحدٌ فهي لغوٌ‏.‏ وعند المالكيّة لا تكون إشارة الأخرس كنايةً، فإن كانت مفهمةً فهي صريحةٌ وإلاّ فلغوٌ‏.‏ ولم نعثر للحنفيّة والحنابلة على قسمة الإشارة من الأخرس إلى صريحٍ وكنايةٍ، وتفصيل ما يخصّ الإشارة في الطّلاق يأتي في بابه‏.‏

إشارة الأخرس بقراءة القرآن‏:‏

9 - للفقهاء في المسألة اتّجاهان‏:‏

الأوّل‏:‏ يجب تحريك الأخرس لسانه في تكبير الصّلاة وقراءة القرآن، لأنّ الصّحيح يلزمه النّطق بتحريك لسانه، فإذا عجز عن أحدهما لزمه الآخر‏.‏ وهو قول الحنفيّة والشّافعيّة، وقول القاضي من الحنابلة‏.‏

والثّاني‏:‏ لا يجب عليه ذلك، وهو مذهب المالكيّة، وهو المذهب عند الحنابلة‏.‏

وخرج بعض الحنفيّة والشّافعيّة على قولهم بوجوب التّحريك، تحريم تحريك الأخرس لسانه بالقراءة وهو جنبٌ‏.‏

الشّهادة بالإشارة‏:‏

10 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه لا تجوز شهادة الأخرس بحالٍ، وإن فهم إشارته كلّ أحدٍ‏.‏ لأنّ المعتبر في الشّهادة اليقين، والإشارة لا تخلو عن احتمالٍ‏.‏ وذهب المالكيّة إلى أنّها تقبل إذا كانت مفهمةً‏.‏

معتقل اللّسان‏:‏

11 - مذهب الجمهور، وهو قولٌ عند الحنابلة صوّبه صاحب الإنصاف أنّ معتقل اللّسان - وهو واسطةٌ بين النّاطق والأخرس - إن كان عاجزاً عن النّطق فهو كالأخرس، وتقوم إشارته المفهمة مقام العبارة، فإن أوصى بالإشارة، أو قرئت عليه الوصيّة، وأشار أن ‏"‏ نعم ‏"‏ صحّت الوصيّة‏.‏ والمذهب عند الحنابلة أنّ المعتقل اللّسان لا تصحّ وصيّته‏.‏

إشارة النّاطق‏:‏

12 - من كان مستطيعاً للنّطق ففي إقامة إشارته مقام النّطق اتّجهان‏:‏

الأوّل‏:‏ أنّها لغوٌ في الجملة‏.‏ وهو مذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة، إلاّ في مسائل معدودةٍ نصّ عليها الحنفيّة والشّافعيّة أقاموا فيها الإشارة مقام النّطق‏.‏ وإنّما قالوا بإلغائها، لأنّها مهما قويت دلالتها فإنّها لا تفيد اليقين الّذي تفيده العبارة،

ومن المسائل الّتي استثنوها‏:‏

أ - إشارة المفتي بالجواب‏.‏

ب - أمان الكفّار، ينعقد بالإشارة تغليباً لحقن الدّم، فلو أشار المسلم إلى الكافر بالأمان، فانحاز إلى صفّ المسلمين لم يحلّ قتله‏.‏

ج - إذا سلّم عليه في الصّلاة فردّ بالإشارة لم تفسد صلاته‏.‏

د - الإشارة بالعدد في الطّلاق‏.‏

هـ- لو أشار المحرم إلى الصّيد فصيد، حرم عليه الأكل منه‏.‏ وزاد الحنفيّة الإشارة بالإقرار بالنّسب لتشوّف الشّرع إلى إثباته، وبالإسلام والكفر‏.‏

الثّاني‏:‏ أنّ إشارة النّاطق معتبرةٌ كنطقه، ما دامت مفهومةً بين النّاس ومتعارفاً بينهم على مدلولها‏.‏ وقالوا‏:‏ إنّ التّعاقد بالإشارة أولى من التّعاقد بالأفعال ‏(‏التّعاطي‏)‏، لأنّ الإشارة يطلق عليها أنّها كلامٌ‏.‏ قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏قال‏:‏ آيتك ألاّ تكلّم النّاس ثلاثة أيّامٍ إلاّ رمزاً‏}‏ وهذا مذهب المالكيّة إلاّ في عقد النّكاح خاصّةً، دون تعيين المنكوحة أو النّاكح‏.‏

تعارض عبارة النّصّ مع إشارته

13 - سبق بيان المراد بعبارة النّصّ وبإشارته ‏(‏ر‏:‏ ف 1‏)‏، فإذا تعارضت عبارة نصٍّ وإشارة آخر يرجّح مفهوم العبارة في الجملة، على خلافٍ وتفصيلٍ ينظر في الملحق الأصوليّ‏.‏

ردّ السّلام في الصّلاة

14 - اختلف الفقهاء في جواز ردّ السّلام في الصّلاة، فرخّصت طائفةٌ من التّابعين في الرّدّ بالقول كسعيد بن المسيّب والحسن البصريّ وقتادة‏.‏ وروى عن أبي هريرة أنّه كان إذا سلّم عليه وهو في الصّلاة ردّه حتّى يسمع‏.‏ وذهب جماعةٌ إلى أنّه يردّ بعد الانصراف من الصّلاة‏.‏ واتّفق الأئمّة الأربعة على أنّ ردّ السّلام بالقول‏.‏ في الصّلاة مبطلٌ لها‏.‏ على اختلافٍ بينهم في بعض التّفصيل‏.‏ فالرّاجح عند المالكيّة‏:‏ أنّ الرّدّ بالإشارة واجبٌ‏.‏

ويرى الشّافعيّة أنّه يستحبّ الرّدّ بالإشارة‏.‏ وذهب الأحناف إلى أنّه يكره ردّه بالإشارة باليد، ولا تفسد به الصّلاة، جاء في حاشية ابن عابدين‏:‏ ردّ السّلام بيده لا يفسدها، خلافاً لمن عزا إلى أبي حنيفة أنّه مفسدٌ، فإنّه لم يعرف نقله من أحدٍ من أهل المذهب‏.‏

وعند الحنابلة يردّ بالإشارة‏.‏ وقد استدلّ القائلون بالرّدّ بعد الانصراف من الصّلاة بحديث ابن مسعودٍ قال‏:‏ «كنّا نسلّم على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وهو في الصّلاة، فيردّ علينا، فلمّا رجعنا من عند النّجاشيّ سلّمنا عليه، فلم يردّ علينا وقال‏:‏ إنّ في الصّلاة شغلاً»‏.‏ واستدلّ القائلون بالرّدّ بالإشارة بحديث جابرٍ قال‏:‏ «إنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بعثني لحاجةٍ، ثمّ أدركته وهو يسير فسلّمت عليه فأشار إليّ، فلمّا فرغ دعاني فقال‏:‏ إنّك سلّمت عليّ آنفاً وأنا أصلّي» وفي روايةٍ لمسلمٍ‏:‏ «فلمّا انصرف قال‏:‏ إنّه لم يمنعني أن أردّ عليك إلاّ أنّي كنت أصلّي»‏.‏ وحديث ابن عمر عن صهيبٍ أنّه قال‏:‏ «مررت برسول اللّه صلى الله عليه وسلم وهو يصلّي، فسلّمت عليه فردّ إليّ إشارةً»‏.‏

الإشارة في التّشهّد

15 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه يستحبّ للمصلّي في التّشهّد الإشارة بسبّابته، وتسمّى في اصطلاح الفقهاء ‏"‏ المسبّحة ‏"‏ وهي الّتي تلي الإبهام، ويرفعها عند التّوحيد ولا يحرّكها، لحديث ابن الزّبير «أنّه صلى الله عليه وسلم كان يشير بأصبعه إذا دعا، ولا يحرّكها» وقيل يحرّكها، لحديث وائل بن حجرٍ «أنّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ رفع أصبعه فرأيته يحرّكها» وتفصيل كيفيّة الإشارة من حيث عقد الأصابع أو بسطها، والتّحريك وعدمه يأتي في ‏(‏الصّلاة‏)‏‏.‏

إشارة المحرم إلى الصّيد

16 - إذا أشار المحرم إلى صيدٍ، أو دلّ حلالاً عليه فصاده حرم على المحرم أكله‏.‏ وهذا القدر لا يعلم فيه خلافٌ بين الفقهاء، «لحديث أبي قتادة في قصّة اصطياده وهو غير محرمٍ، قال‏:‏ فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ منكم أحدٌ أمره أن يحمل عليها، أو أشار إليها‏؟‏ قالوا‏:‏ لا قال‏:‏ فكلوا ما بقي من لحمها»‏.‏ وإن لم تكن منه إعانةٌ على قتله بشيءٍ حلّ له الأكل منه عند جمهور الفقهاء للحديث السّابق‏.‏

واختلف الفقهاء في وجوب الجزاء على المشير، فذهب الحنفيّة والحنابلة إلى أنّه يجب عليه الجزاء، لأنّ الإشارة إلى الصّيد من محظورات الإحرام بدليل تحريم الأكل منه، فتكون جنايةً على الصّيد بتفويت الأمن على وجهٍ ترتّب عليه قتله، فصارت كالقتل‏.‏ وعند المالكيّة والشّافعيّة لا جزاء على المشير، لأنّ النّصّ علّق الجزاء بالقتل‏.‏ وليست الإشارة قتلاً‏.‏

الإشارة إلى الحجر الأسود والرّكن اليمانيّ

17 - اتّفق الفقهاء على استحباب استلام الحجر الأسود والرّكن اليمانيّ باليد أو غيرها عند الطّواف، لحديث «ابن عمر رضي الله عنهما قال‏:‏ ما تركت استلام هذين الرّكنين في شدّةٍ ولا رخاءٍ منذ رأيت النّبيّ صلى الله عليه وسلم يستلمهما»‏.‏ كما اتّفقوا على استحباب الإشارة إلى الحجر الأسود عند تعذّر الاستلام، لحديث ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما قال‏:‏ «طاف النّبيّ صلى الله عليه وسلم بالبيت على بعيرٍ، كلّما أتى على الرّكن أشار إليه»‏.‏ واختلفوا في الإشارة إلى الرّكن اليمانيّ عند تعذّر الاستلام‏.‏ فذهب أبو حنيفة وأبو يوسف والمالكيّة والحنابلة إلى أنّه لا يشير إليه إن عجز عن استلامه، وذهب الشّافعيّة ومحمّد بن الحسن إلى أنّه يشير إلى الرّكن اليمانيّ قياساً على الحجر الأسود‏.‏

التّسليم بالإشارة

18 - لا تحصل سنّة ابتداء السّلام بالإشارة باليد أو الرّأس للنّاطق، ولا يسقط فرض الرّدّ عنه بها‏.‏ لأنّ السّلام من الأمور الّتي جعل لها الشّارع صيغاً مخصوصةً، لا يقوم مقامها غيرها، إلاّ عند تعذّر صيغتها الشّرعيّة‏.‏ وتكاد تتّفق عبارات الفقهاء على القول‏:‏ بأنّه لا بدّ من الإسماع، ولا يكون الإسماع إلاّ بقولٍ‏.‏ وقد ورد في الحديث‏:‏ «لا تسلّموا تسليم اليهود، فإنّ تسليمهم بالأكفّ والرّءوس والإشارة»‏.‏ وروى علقمة عن عطاء بن أبي رباحٍ قال‏:‏ «كانوا يكرهون التّسليم باليد»‏.‏ يعني الصّحابة رضوان الله عليهم‏.‏

أمّا الأصمّ ومن في حكمه، وغير المقدور على إسماعه كالبعيد، فالإشارة مشروعةٌ في حقّه، وقال بعض الفقهاء‏:‏ إذا سلّم على أصمّ لا يسمع ينبغي أن يتلفّظ بالسّلام، لقدرته عليه، ويشير باليد‏.‏ ويسقط قرض الرّدّ من الأخرس بالإشارة، لأنّه مقدوره، ويردّ عليه بالإشارة والتّلفّظ معاً‏.‏ وانظر مصطلح‏:‏ ‏(‏سلامٌ‏)‏‏.‏

الإشارة في أصل اليمين

19 - لا تنعقد يمين النّاطق بالإشارة، لأنّها لا تنعقد إلاّ بأسماء اللّه وصفاته‏.‏

أمّا الأخرس فذهب بعض الفقهاء إلى أنّ يمينه لا تنعقد‏.‏ وذهب آخرون إلى أنّه إذا كانت له إشارةٌ مفهمةٌ حلف، وتصحّ يمينه، وإن كانت غير مفهمةٍ، ووجبت عليه يمينه، وقف حتّى تفهم إشارته‏.‏ ونسب الزّركشيّ هذا للإمام الشّافعيّ‏.‏ وانظر مصطلح ‏(‏أيمانٌ‏)‏‏.‏

إشارة القاضي إلى أحد الخصوم

20 - لا يجوز للحاكم أن يعمل أعمالاً تسبّب التّهمة وسوء الظّنّ في مجلس الحكم، ممّا يوهم أنّه يفضّله على خصمه، كالإشارة لأحد الخصمين باليد، أو بالعين أو بالرّأس، لأنّ ذلك يسبّب انكساراً لقلب الخصم الآخر، وقد يحمله ذلك على ترك الدّعوى واليأس من العدالة، ممّا يترتّب عليه ضياع حقّه‏.‏ وهذا محلّ اتّفاقٍ بين الفقهاء‏.‏

وقد روى عمر بن شبّة في كتاب قضاة البصرة بإسناده عن أمّ سلمة أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «من ابتلي بالقضاء بين المسلمين، فليعدل بينهم في لحظه وإشارته ومقعده، ولا يرفع صوته على أحد الخصمين ما لا يرفع على الآخر» وفي روايةٍ‏:‏ «فليسوّ بينهم في النّظر والإشارة والمجلس»‏.‏

إشارة المحتضر إلى الجاني عليه

21 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه لا يعتبر قول المحتضر‏:‏ قتلني فلانٌ، ولا يكون ذلك لوثاً، لأنّه لا يقبل دعواه على الغير بالمال، فلا يقبل ادّعاؤه عليه بالدّم، ولأنّه مدّعٍ فلا يكون قوله حجّةً على غيره‏.‏ لحديث‏:‏ «لو يعطى النّاس بدعواهم لادّعى ناسٌ دماء رجالٍ وأموالهم» فإذا لم تعتبر أقواله فلا تقبل إشارته من باب أولى‏.‏ وذهب مالكٌ إلى أنّه إذا قال المحتضر الحرّ المسلم البالغ العاقل‏:‏ قتلني فلانٌ عمداً، ثمّ مات فإنّه يكون لوثاً، فيثبت القصاص بعد حلف أولياء الدّم يمين القسامة‏.‏ أمّا إذا قال‏:‏ قتلني خطأً، ففي ذلك عن الإمام مالكٍ روايتان‏:‏ إحداهما‏:‏ لا يقبل قوله، لأنّه يتّهم على أنّه أراد إغناء ورثته‏.‏

والثّانية‏:‏ أنّ قوله يقبل، وتكون معه القسامة، ولا يتّهم، لأنّه في حالٍ يصدّق فيه الكاذب، ويتوب فيه الفاجر، فمن تحقّق مصيره إلى الآخرة وأشرف على الموت فلا يتّهم في إراقة دم مسلمٍ ظلماً، وغلبة الظّنّ في هذا ينزل منزلة غلبة الظّنّ في صدق الشّاهد، والغالب من أحوال النّاس عند الموت التّوبة والاستغفار والنّدم على التّفريط‏.‏ وتزوّده من دنياه قتل نفسٍ خلاف الظّاهر وغير المعتاد‏.‏

إشارة المحتضر إلى تصرّفاتٍ ماليّةٍ

22 - إذا كان المحتضر قادراً على النّطق فلا تقبل إشارته، أمّا إذا كان غير قادرٍ على النّطق فإشارته تقوم مقام عبارته‏.‏ وفي حاشية ابن عابدين‏:‏ إن لم يكن معتقل اللّسان لم تعتبر إشارته إلاّ في أربعٍ‏:‏ الكفر، والإسلام، والنّسب، والإفتاء‏.‏

وعند المالكيّة‏:‏ أنّ الإشارة المفهمة كالنّطق مطلقاً‏.‏ وعلى هذا فإنّ إشارة المحتضر إلى تصرّفٍ ماليٍّ كعبارته، سواءٌ أكان قادراً على النّطق أم لا‏.‏